كيف تغير الشباب ليصنعوا التأريخ؟
قال الله تعالى " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فكيف اذاحدث هذا التغير الذي ادى لهذه الثورات العظيمة التي نرأها اليوم في العالم العربي و التي تفاجأ بها مفجروها قبل العالم اجمع, و ذلك لما كان سائدا من أن الشعوب العربية استمرأت الذل و الهوان و اصبحت تساق كالنعاج كما يقول البعض. و اكثر ما اثار الدهشة في هذه الثورات أنها جاءت من الشباب الذين كان الكل يلومهم على لا مبالاتهم و انشغالهم بسفاسف الامور من غناء هابط و موضة خليعة و مخدرات و افلام اباحية, و لعمري أن كثير منهم كانوا كذلك حتى وقت قريب فما الذي حدث حتى انقلبوا فجأة الى حملة مشاعل التغيير في العالم العربي؟ أقول أن تغييرا كهذا لا يحدث بين عشية و ضحاها, لذلك اسمحوا لي أن الخص (من وجهة نظري) الاسباب التى هيأها الله لهؤلاء الشباب ليحدثوا المعجزة.
في رأي أن اهم هذه الاسباب هما قناة الجزيرة و الاستاذ عمرو خالد, و لكي اوضح و جهة نظري اسمحوا لي اولا أن اتحدث عن نفسي كنموذج لهؤلاء الشباب: أنني مثل هؤلاء الثأئرين لم اذق طعم الانتصار الاخير للعرب في العصر الحديث و أعني نصر اكتوبر 73, و أن كنا محظوظين بعدم تجرع هزيمة 67 الا أننا تجرعنا مرارة الذل و الهوان على ايدي حكامنا عملاء الصهاينة و الامريكان. نشأنا لنجد أننا اذل أمة بالرغم من قول الله لنا في كتابه العزيز أننا خير أمة أخرجت للناس مما ادي الى شعورنا بالاحباط. عن نفسي كنت أحب مشاهدة الاعمال التأريخية و قراءة كتب السيرة العظيمة لكي أحس بطعم العزة و الكرامة فيما كان لنا من شأن بين العالمين. لقد أتيت الى لندن في اواخر العام 97 اي عندما كانت قناة الجزيرة في بداياتها, و للامانة كانت مشاهدتي لها في بادئ الأمر بسبب زوجي و مشاهدته الدائمة لها و لكن عندما بدأت اسمع بعض الكلمات و المصطلحات الي كانت تعتبر خطا احمر في بلدي (و كذلك في كل الدول العربية) بدأت انجذب لمشاهدتها و في وقت وجيز جدا اصبحت الجزيرة قناتي المفضلة و أنا التي لم أكن يوما منشغلة بالسياسة و لا بما يدور في دهاليزها و لم تكن تمثل لي يوما مادة جاذبة. و هنا اتوقع أن هذا قد حدث مع هؤلاء الشباب كذلك, اي كانوا يشاهدونها بسبب اباءهم أو ازواجهم أو بسبب اصدقائهم المهتمين بالشئون السياسية, و جاء موقعها الالكتروني ليكمل ما بدأته القناة من احداث الوعي و الادراك بما آل اليه حالنا بين الامم, هذا بالاضافة لتمكينهم من المشاركة و ابداء الرأي. اذن حدث الفهم و الادراك و لكن كيف السبيل الى تغيير الواقع؟ و هنا يأتي دور الاستاذ عمرو خالد.
عندما بدأ الاستاذ عمرو خالد مشواره الدعوي هاجمه بعض الكتاب و الدعاة من أنه داعية مودرن و على الطريقة الامريكية و لكنه و لهذه الاسباب تحديدا و لدور اراده الله له, اصبح في وقت قصير من اكثر الدعاة متابعة خاصة من قبل الشباب, و ذلك للغته السهلة و لتبسيطه للغة الخطاب الديني التي كان الشباب يعتقدون أنهم يحتاجون لشهادة في اللغة العربية لفهمها. بدأ الاستاذ عمرو بسرد تأريخنا العظيم باسلوب مشوق جعلنا نحس بأننا نسمع بهذه الاحداث للمرة الاولى بالرغم من حفظنا لها في مقررات التأريخ المدرسية, و لكن الاهم من ذلك (وهو في نظري ما جعله محببا بين الشباب) أنه جعلهم يحسون بأنهم قادرون على اعادة هذه الامجاد أن هم ارادو ذلك, و هذا هو الفرق بينه و بين الدعاة الأخرين, فقد اعطى الشباب دفعة معنوية كبيرة و عزز ثقتهم بأنفسهم و هذا ما كانوا في اشد الحاجة اليه, مما جعلهم يحسون بأنهم يستطيعون فعل المعجزات و قد كان. و جاء مشروعه الناجح "صناع الحياة" مدعوما بمحاضرات رائعة عن كيفية تغيير الذات و كيف للانسان أن يصبح ايجابيا, و عندها بدأ التحول الجذري لدى معظم الشباب العربي المسلم في العالم اجمع و في مصر خاصـة, و لذلك جاء النصر و التغيير. لقد ظهر تأثير الاستاذ عمرو جليا في المستوى الحضاري الرائع للثورة و في علميات النظافة في ميدان التحرير و ما حوله و الذي جعل العالم كله يقف اجلالا و احتراما لهؤلاء الشباب.
بعد أن اصبح الشباب مدركا لامكانياته في احداث التغيير بدأ في كتابة المدونات على الانترنت مما كان لها اعظم الاثر في تنظيم صفوفهم و جمع المؤيدين. اخيرا يجب ذكر المواقع الاجتماعية على الانترنت و مساهمتها العظيمة في انجاح الثورتين, و لكني اختلف مع كل الذين يرون أنها العامل الرئيسي في هذه الثورات, ففي رأيي لولا التغير الذي حدث في اخلاق و نفسية ووعي الشباب و ادراكهم لامكانياتهم لكانت هذه المواقع مجرد و سيلة للتسلية و تضييع الوقت.
هناك وسائل اعلامية اخرى لعبت دورا هاما و أن اعتقد أنها لم تكن متاحة للشباب في مصر و تونس و لكنها اسهمت مع الاسباب سالفة الذكرفي توسيع وعي و ادراك الشباب المغترب (و هؤلاء ادوا دورا رأئعا بالدعم المعنوي فلهم التحية ايضا) و هي جريدة القدس العربي و رئيس تحريرها المبدع عبد الباري عطوان و قناة الحوار اللندنية
بأختصار شديد تضافرت كل هذه العوامل المذكورة مع اخري داخلية (حسب تكوين كل بلد و ثقافته) معا لتصنع لنا مجدا كنت اظنني أرحل عن هذه الدنيا قبل أن اتذوق طعمه, فالشكر لله عز و جل أن بلغنا هذه الايام الخوالد و اسأله تعالى أن يمتع شبابنا بالعلم و الايمان الكافيين للنهوض ببلادنهم. لدي فقط رجاء لكل الاباء و الامهات أن يكفوا عن المقولة الشهيرة بأنهم كانوا افضل من اولادهم و أن يشدوا على اياديهم و يزودوهم بالخبرة التي تنقصهم لنعمل معا من اجل غد افضل والله ولي التوفيق.